ثقافة

ياسين رفاعية الذي رحل قابضًا على جمر فواجعه

سوسن جميل حسن 

تمر هذه الأيام الذكرى الأربعين لرحيل الشاعر والقاص والروائي السوري ياسين رفاعية (ولد في دمشق عام 1934 – توفي في بيروت في 23 أيار 2016).

رفاعية الذي حفر اسمه بيديه وجهده وعذابات الروح ليصبح واحداً من أبرز الكتّاب في سوريا والوطن العربي. هو الذي ذهب في الكثير من كتاباته في هتك العتمات التي يحفل بها المجتمع السوري ونظيره اللبناني، والذي تنطوي الحكاية في أعماله الأولى –كما يقول النقاد- على واقعية خشنة تنبئ عن عزلة الكائن البشري وبؤسه وعذاباته. فيما تتركز أهميته الروائية –بحسب الروائي نبيل سليمان- في رواياته السيرية والتي هي في غالبيتها من المدونة الروائية للحرب اللبنانية؛ حيث يسرد في معظمها فصولاً من سيرة حياته وتدوين رحلة شقاء العمر..

طلعنا عالحرية، وتكريماً للدمشقي العتيق صاحب “ياسمين”، تنشر بمناسبة أربعينيته شهادة للروائية سوسن جميل حسن عن سيرته وأدبه، هذا نصها..

كلما فارقنا عزيز أو شخصية مؤثرة في الحياة العامة أو الثقافية، مع حزننا الكبير على فقده، نترحّم عليه ونهمس في سرنا: ربما الرحمة الكبرى أنه غادر إلى حيث الصمت والنسيان المطلق، إلى حيث لا يرى ويسمع ويكون شاهداً على اغتصاب بلاده والتنكيل بأهله وشعبه. ربما ارتاح من بكاء حارق للصدور والمآقي على سورية، أمام عجزنا عن مساعدتها.

هو صاحب تجربة إنسانية غنية بقدر مرارتها، وابن “ياسمين” دمشق، يقول إنه جاء إلى لبنان التي عاش فيها أكثر من أربعين عاماً: “بعد بدايات خانقة في سوريا”، ويقول إن طبيبه نصحه بالهروب إلى الكتابة كي يتحدى الجنون؛ الكتابة التي تمنحه واقعاً بديلاً عن واقع مترع بالأوجاع والخيبات والفقد، فقد ابنته الشابة وفقد زوجته قبلها. فهل عالجت الكتابة أوجاع روحه المتعبة؟

لا يهم ماذا عمل وما هي المناصب التي شغلها أو الأعمال التي اشتغل بها، المهم ما ترك خلفه من أعمال إبداعية تقارب الثلاثين بين قصة وشعر ورواية.

ياسين رفاعية الذي تتضمخ أعماله بحزن شفيف يفوح عطراً خفياً من بين الكلمات. يبرره كما قال في أكثر من لقاء وحوار بأنه نابع من حياته الشخصية. فقد عاش في عائلة فقيرة، واضطر أن يمارس عدة مهن، بينها عامل في شركة نسيج وصانع أحذية وبائع كعك في الطريق، لكن قراءات الكاتب الكثيرة نمّت لديه موهبة الكتابة وشجعته عليها. ولقد استثمر تجاربه الحياتية الغنية والعميقة في أعمال إبداعية متنوعة.

رحل صاحب “دماء بالألوان” وبلاده تغرق بدمائها، رحل وهو يرى “الحزن في كل مكان”، وكان “العالم يغرق” في لجة بلا ضمير بينما السوريون يغرقون في البحار مثل “العصافير تبحث عن وطن”، وأذرع الأطفال تصارع الأمواج وتحلم بـ”الورود الصغيرة”. رحل صاحب “نهر الحنان” قابضاً على جمر فواجعه بعد أن فقد الابنة الحبيبة، وفقد الزوجة التي لم تكن “امرأة غامضة” في حياته، كانت رفيقته وسلواه.

ترى هل كان يفكر في صمته بـ”رفاق سبقوا”؟ هو الذي طلب السلوى بالنسيان، وتمسك بالذاكرة كي يبدع؟ قال له طبيبه عليك بالكتابة، وهل كان ياسين رفاعية يستطيع العيش خارج الكتابة؟ كانت ذاته الحقيقية التي يختصر المسافة بينه وبينها حدّ الامّحاء، فيتوحّد مع آلامه وأحزانه وأحلامه ويكتب لنقرأ، غادر من كتب “الرجال الخطرون” ياسين رفاعية الذي ترك دمشق واستقر في بيروت منذ أربعين عاماً، أحب دمشق مدينته التي فيها ولد وعاش تجاربه الحياتية القاسية “حب شديد اللهجة” وربما لها قال “كل لقاء بك وداع”. وكانت بيروت التي قال عنها “كنت أشعر بالأمان المطلق. يحبونني ويحترمونني وكل دور النشر تقبل كتبي. كما أنني مارست الصحافة فيها”، كتب “رأس بيروت” (1992) وعاش ليرى المدينة التي أحب غارقة بالنفايات والأزمات، يراها “على كف عفريت” كما صرح ذات لقاء.

ياسين رفاعية خسارة ثقافية ووطنية وإنسانية، صاحب الحزن الشفيف يغادرنا ومعه “أسرار النرجس”. وهذا بعض من عناوينه الشاعرية والشعرية.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top