مقالات رأي

في معيقات نشوء التيار الوطني الجامع

مجلة-طلعنا-عالحرية-Rising-For-Freedom-Magazine

 

جلال مراد

رغم أن هناك مسببات كثيرة موضوعية  تستدعي نشوء تيار وطني جامع لكل المكونات السورية ( العرقية ، الطائفية ، المناطقية ، القومية ) إلا أن هذه البديهية ليست كذالك. فالجانب الموضوعي ليس كافياً ولو أنه الأساس الذي يبنى عليه أي نشاط ذاتي ، والحال أن من أهم المعوقات التي تقف في وجه تشكل تيار وطني جامع وتحول هذا التيار إلى مؤسسة وطنية تمتد على مساحة الأرض السورية هو المعيق الذاتي المتعلق الوعي . نستطيع أن تفند هذه الأزمة في الوعي السوري إلى :

الوعي الاجتماعي العام :

ما زال الوعي الاجتماعي العام في سورية منقسم ومتحلق حول الهويات الجزئية ، فالسني ملتزم بجماعته السنية ، والعلوي بجماعته العلوية، والكردي بكرديته، والاسماعيلي.. والتركماني والآشوري . أيضاً مناطقياً الجماعات السورية تتمسك وتنافح عن مناطقها غير آبهة ربما بالمناطق القريبة منها . لقد نكس العلم الوطني وارتفعت الأعلام دون الوطنية الطائفية العشائرية المناطقية القومية . وبات التحدث في المشترك الوطني على المستوى الاجتماعي مشكلة بحد ذاتها .

انعدام الحامل التاريخي ( التيارات والأحزاب ) :

 عبر تاريخ العالم كانت النخبة المنظمة هي الحامل للمشروع الوطني ” ولمشاريع فوق وطنية أحياناً ” لكن في الحالة السورية لا يمكن التعويل على النخب العاملة في الأحزاب والتيارات لإنجاز المشروع الوطني بسبب :

– الطبيعة الانغلاقية الأيديولوجية لتلك الأحزاب والتيارات .

– التكوين دون الوطني لهذه التيارات والأحزاب ( فرغم طرحها أيديولوجيات وطنية أو فوق وطنية إلا أن مكوناتها البشرية مقسمة على شكل دون وطني عرقي ، طائفي ، أيديولوجي ، مناطقي، … الخ).

– عدم امتلاك هذه التيارات والأحزاب خبرة بالعمل التنظيمي الشعبي ، وهذا يعود لطول فترة إقصاء الحياة السياسية في سوريا وحرمانها من الخبرة والدراية الكافية في العمل التنظيمي البنائي .

– هشاشة هذه التيارات والأحزاب داخلياً بسبب استخدامها مقولات نظرية متطورة وممارستها أفعال دون فكرية، أفعال شخصية استئثارية استزلامية شللية جعلت النشاطات الداخلية للحزب أو التيار ساحة للصراعات حول النفوذ الشخصي، والشللي  مما هدر كل الطاقة في تلك الصراعات ولم يتبقى فائض من الطاقة لتثميره في عمل وطني .

– نخبوية تلك التيارات والأحزاب وعدم تقديم برامج بسيطة مناسبة مفهومة للعامة ، فضلاً عن ازدواجية عناصر تلك التيارات والأحزاب في التعاطي النظري المتطور والممارسة العملية المفوتة ، المتصالحة والمهادنة للواقع ضمن آلية ” التقية ” .

– عدم تفاعل المجتمع الأهلي مع هذه التيارات والأحزاب نتيجة الأسباب الإنف ذكرها .

عزلة المجتمعات الجزئية المكونة للمجتمع السوري تاريخياً :

منذ بداية الحقبة العثمانية على الأقل قُسم الوطن العربي عموما وبلاد الشام على وجه الخصوص إلى إمارات مناطقية، تثبتت تلك التقسيمات دون الوطنية بأشكال من الإحاطة الإدارة والتشريعية ( الوالي ، قائم مقام …الخ ) وعلى مدار ٤٠٠ عام على الأقل تشكل في كل إمارة ومنطقة نمط من المعتقدات والبديهيات الحياتية، ونمط معاش يختلف من مكون ديمغرافي لآخر في المناطق السورية .

خلال فترة الاحتلال الفرنسي القصيرة نسبياً لم يتم تكسير تلك الحدود الديمغرافية بل بني عليها شكل الحكم الفرنسي ، وعندما طُبقت معاهدة سايكس بيكو لم يحايثها بأي شكل من الأشكال دمج تلك القطاعات الديمغرافية القديمة بل وضعت الحدود وضع فوقي سياسي دون أي تمهيد دمجي. وبعد الاستقلال لم يتيح شكل الانتاج البسيط الزراعي أي حالة فارقة في تكسير تلك الحدود الديمغرافية ، وفي ظل الأسد الأب والإبن لم يتطور الاقتصاد بالدرجة الكافية لتذويب هذه الحدود الديمغرافية من ناحية الجانب المعرفي الثقافي الاجتماعي بل تعاطت السلطة في كلا الحكمين بشكل مركزي مُطبق في تعاملاتها مع المكونات دون الوطنية مستثمرة هذا الانقسام العامودي في تثبيت حكم كان يحتاج الكثير من الشرعية لاستمراره . فبات هناك تشكيلين قانونيين في ضبط وربط أجزاء سورية قانون وضعي يعم كامل سورية في التعاملات العامة المادون سياسية . وتعاملات سياسية تعتمد التقسيم الديمغرافي مادون وطني لتشكيل الحياة السياسية فقد كان لكل طائفة ، وعرق، وقومية، ومحافظة، ومنطقة تمثيل تشريعي وسياسي، وتمثيل في الحكومة ، هذا التحاصص السياسي عمق وأصل وشرعن أيضاً الفصل والانقسام الديمغرافي العامودي ضمن حدود ” الوطن ” سوريا .

مصلحة المكونات الديمغرافية دون الوطنية :

استناداً للبعد التاريخي الموضح آنفاً ، واستناداً لسياسة عزل المناطق التي انتهجها النظام في ادارته للأزمة تكونت لدى التجمعات الديمغرافية الجزئية السورية مصالح متباينة بل شديدة التباين ” تلك المصالح التي من السهولة إسنادها لتبريرات أخلاقاوية ، وتعليلات عقلانية مما يضفي عليها انحيازها لحقاوية زائفة مصدرها المصلحة المحظة وليس الانحياز للحق الوطني فضلاً عن الحق الإنساني  ” .

نشأ عن هذا التباين الشديد في المصالح بنية متكاملة تعليلية وأخلاقاوية تشرعن الممارسات السياسية والعسكرية أحياناً لدى هذه المكونات الجزئية وتضفي على هذه الممارسات جانب الأخلاق والعدل والحق !!! .

إن كل مكون ديمغرافي سوري أصبح له هدفه الخاص ، وطريقه الخاص، وآلياته الخاصة، وبالتالي أباح لنفسه الارتباط بقوى خارج حدود الوطن سوريا مدفوعاً بهاجس الحفاظ على الوجود حيناً وهاجس تحقيق المصالح المعبرة عن احتياجاته وهويته أحياناً أخرى . فنرى أن بعض هذه المكونات أقامت ارتباطات مع فرنسا ، وأخرى مع السعودية ، وغيرها مع إيران ، ومنها من أعاد الروابط التاريخية مع أكراد تركيا والعراق ، وقسم آخر مع الموحدين المسلمين في لبنان وفلسطين المحتلة ، وغيرهم مع قبائل الأردن ، وفي الشمال السوري مع قبائل العراق . وبعضهم مع امريكا وآخرين مع روسيا …. الخ .

مصالح الدول الإقليمية :

لم تكون ولن تكون ربما الدول المتاخمة لسوريا مشجعة لنشوء دولة وطنية، وبالتالي فهي لن تدعم نشوء تيار وطني سوري ، كما أنها لن تقف على الحياد من هكذا تيار في الفترة الراهنة على الأقل ، لطالما تأمل الوطني السوري بمثل هذا الدعم ولكنه دائماً كان يصاب بخيبات أمل محاط بإشارات تعجب واستفهام كثيرة حول هذا الموقف من الدول الإقليمية ، والحقيقة أن هذه الدول على اختلاف مصالحها لن تستطيع تحقيق تلك المصالح على الأرض السورية إلا من خلال تبني والارتباط مع المكونات دون الوطنية السورية . وذلك لعدة اسباب عامة منها :

– لا تستطيع دولة بعينها فرض أجندتها المحققة لمصلحتها على كامل المكونات السورية . فهذا صعب داخلياً أقصد سورياً، ومستحيل دولياً في ظل تزاحم الدول الأخرى على امتداد سيادتها في الداخل السوري .

– لكل دولة مكون دون وطني يتوافق مع مصلحتها من جهة ، ومن جهة أخرى كل مكون ديمغرافي سوري ينحاز لجانب يحقق مصلحته الجزئية التي تتوافق مع هذه الدولة ويتعارض مع تلك الدولة لأسباب عقدية وجغرافية ومصلحية جارية .

– إن نجاح التيار الوطني الجامع السوري في تحقيق وجوده عبر دولة وطنية هو تهديد مباشر خصوصاً للدول العربية التي لم يحدث فيها هذا التحول بعد . حتى لو كان هناك ضمانات من التيار الوطني الجامع بعدم تصدير الثورة، فإن مجرد قيام دولة وطنية حديثة سيعمل على خلق نموذج يؤهب الشعوب العربية على الاقتداء به .

– إن وجود حلفاء للدول من المكونات الديمغرافية الجزئية في سوريا عامل مغري للدول في ترحيل الضغوط الدولية الممارسة عليها في ملفاتها الداخلية لكسب أوراق جديدة تستطيع التفاوض عليها خارج حدودها لجني مكاسب داخلية ( كالنووي الإيراني ، القرم ، اليمن ، الدعم المالي للبنان والأردن ، أكراد تركيا ……الخ ) .

يأس السوريون من العمل :

يأس السوريون من العمل عموماً والعمل الوطني على وجه الخصوص سببه كل ما ذكر سابقاً بالإضافة لمفعول العصا والجزرة اللتين قضوا على ما تبقى من أمل للعمل . فالوطني السوري محارب من محيطه الديمغرافي المادون وطني فأي طرح وطني ينظر إليه على أنه خيانة لمصالح هذا المكون وحياد عن المقاربة التي تتبناها هذه الهوية الجزئية . أيضاً فإن الوطني السوري لن يجد ترحيب من الدول المحيطة بسورية وسينظر له إنْ لم يتبنى المنظومة القيمية – المصلحية لتلك الدول على أنه ينتمي للفريق المعادي . ولن يفهم على أنه يطرح طرح وطني متعدي للمصلحة الديمغرافية الحليفة لهذه الدولة أو سواها .

وبالإجمال فإن السوري شارف على فقدان الأمل من أي حل وطني بسبب العصى المتمثّلة بالقصف والقصف المضاد والقمع والتنكيل والتهجير والاغتيال والخطف وغيرها من الممارسات اللإنسانية الممارسة عليه من أطراف الصراع المتعددة .

من جهة أخرى فقد كان للجزرة دور أكبر في تيئيس السوري الوطني والسوريين بشكل عام من خلال الترويج للأمل عبر مبادرات سياسية ترعاها الدول وتجميع آمال السوريين في حل مرتقب ثم نسف هذا الأمل بخيبات متلاحقة فقد راهن السوري على المجلس الوطني وخاب أمله . راهن على الجيش الحر وخاب أمله . راهن قسم من السوريين على الكتائب الجهادية وخاب أملهم راهنوا على الإتلاف وخاب أملهم على جنيف ١ جنيف ٢ …. الآستانة وغير ذلك وخاب أملهم . من جهة أخرى بات السوري يرتاب من دعوته لأي عمل يخص البلد بسبب حالات الاستثمار السياسي الدائمة له ، التي كانت تفضي لثراء وعلو المبادرين واغتنامهم غنائم مادية ومعنوية وسياسية على حساب تضحياته وطيبته . لقد فقد السوري الأمل والثقة بأي تشكيل سياسي وطني محتمل . وبات ينظر إليه نظرة المشكك المرتاب الخائف .

بهذا المعنى فإن الجزرة والعطاء الذي لوحت به الدول الصديقة كان العامل الأهم في تيئيس السوري رغم همجية وبربرية العصا التي ضرب بها النظام وأمراء الحرب من كلا الطرفين .

1 Comment

1 Comment

  1. Suivre Téléphone

    9 فبراير,2024 at 7:08 ص

    Le logiciel de surveillance de téléphone portable CellSpy est un outil très sûr et complet, c’est le meilleur choix pour une surveillance efficace des téléphones mobiles. L’application peut surveiller divers types de messages, tels que les SMS, les e-mails et les applications de chat de messagerie instantanée telles que Snapchat, Facebook, Viber et Skype. Vous pouvez afficher tout le contenu de l’appareil cible: localisation GPS, photos, vidéos et historique de navigation, saisie au clavier, etc. https://www.xtmove.com/fr/how-to-see-what-someone-is-doing-on-their-phone-without-them-knowing/

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top