تقارير

رصد واقع أزمة الدواء في التل، بعد فرض النظام حظراً على إدخاله إليها

محمد هشام – التل

لعلّه لم يعد منع دخول الدواء إلى مدينة ما من هذا العالم، يشكّل حدثاً استثنائيّاً ووحشياً إلى حدٍّ يستحقّ من العالم أن يقف عنده ويهتم به؛ خصوصاً إذا علمنا أن النظام السوريّ هو أحد أطراف هذه الممارسة. فالمجازر الوحشية والإرهاب الذي مارسه النظام ضدّ شعبه طوال خمس سنوات، ولم يزل.. قد دفع به إلى صدارة الأنظمة المجرمة التي استحلّت ميدان الإجرام والوحشية ضد شعوبها مطلع هذا القرن، ولم يعد يُستغرَب منها أي فعل شنيع تأتي به.

إلّا أنّ مدينة كمدينة التل، وباكتظاظ سكاني بلغ من الكثافة حدّ المليون ونيف مع المهجّرين الذين تحتضهم المدينة من شتى الأرجاء السوريّة بحسب بعض المصادر المحلية، فإنها تدفع لتسليط الضوء على أي ظاهرة أو سلوك إجرامي قد يمارسه النظام ضد هذه البلدة، التي من المفترض أنها تعيش حالة من المصالحة معه.

منذ قرابة سبعة شهور، استيقظت المدينة لتجد نفسها خاضعة لحصار جزئي، بدأ معه مسلسل التضييق على إدخال المواد الغذائية والطحين والوقود، بالإضافة إلى بعض مستلزمات الحياة الرئيسية. أسهم بدوره في تضاعف الأسعار داخلها، وارتفاعها بوضوح عن غيرها من مناطق العاصمة. والدواء كان أحد أبرز تلك المواد الضرورية التي حرمت منها المدينة.

طلعنا عالحرية، دخلت المدينة لتستطلع واقع أزمة الدواء، وانعكاساتها على حياة المدنيّين، وكيفية تدبّرهم لشؤونهم، بعد سبعة أشهر من الحصار الجزئي المفروض.

“سبعةٌ من كلّ عشرة مرضى يدخلون عليّ ليطلبوا دواءً ما، يخرجون بأيدٍ فارغة”

هكذا بدأ د.ماهر العلي شهادته عن أزمة الدّواء لطلعنا عالحرية، وهو اسمٌ اختاره أحد صيادلة المدينة، ليدلي عبره بشهادته، وأردف: “أنا عينةٌ عن صيادلة آخرين نفدت لديهم أنواع كثيرةٌ من الأدوية والمستحضرات الطبية؛ بعد أول شهرين من فرض الحظر على الدواء بالمدينة”.

و أضاف: “بعد الشهر الأول من الحصار، سارعت الناس لشراء الدواء بكميات كبيرة خوفاً من تكرار تجربة الغوطة الشرقية، إلا انّي كنت أرفض أن أبيع العائلة الواحدة أكثر من (مظروف) واحد من الدواء، حرصاً على عدم حرمان الآخرين منه”.

وبعد أن قام النظام بحظر دخول الموزعين إليها، وعلى سبيل التغلب على الحظر، فقد غامر كثيرٌ من الصّيادلة وأصحاب محال التجهيزات الطبية بحياتهم، متعرضين للإهانة والشتيمة على الحواجز المحيطة بالتل، بعد محاولتهم إدخال كميات من الدواء إليها من مدينة معربا المجاورة، برفقة أغراضهم الشخصية. وأضافوا عن تعرّض بعضهم للتهديد بالاعتقال والخطف والقتل، إن حاولوا تكرار المحاولة.

الطبيب الصيدلاني محمد حماد، تحدّث لمراسل طلعنا عالحرية عن اكتشاف الحواجز لمحاولاته بإدخال الدواء، بعد تفتيشه وتفتيش سيارته واستخراج كيسين من الدواء كان ينوي إدخالهما إلى المدينة، و أضاف: “بالرغم من وعودي بعدم تكرار المحاولة، إلا أنهم صادروا حمولتي الطبية ورفضوا إعادتها لي، وهددوني بالاعتقال والقتل بالمرة القادمة”.

الصيدلاني ماهر بدوره لم يخف لجوءه برفقة الصيادلة والأطباء الآخرين في التل، رغبةً منهم بتخفيف وطأة الأزمة، وسدّ ما أمكن من حاجة المدينة الدوائية، إلى شراء مواقف بعض الضباط والمجنّدين على الحواجز المحيطة، للسماح لهم بإدخال بعض أنواع الأدوية الضرورية، مثل أدوية السكر والقلب والضغط، بالإضافة إلى بعض أمراض القصبات والكبد، والالتهابات العامة، والمضادات الحيوية والأمراض العصبية؛ بعد أن فرَغت صيدلياتهم إلا من بعض مستحضرات التجميل والأدوية الجلدية، وتحدّث عن قيامه بدفع نسبة تتراوح بين 10– 30% من قيمة كل فاتورة مقابل السماح بإدخالها، وختم: “على الرغم من قيامنا بالدفع، لم يكونوا يسمحون بإدخال أكثر من علبتين أو ثلاث من كل نوع بأحسن الأحوال”.

صعوبة إدخال الدواء، وارتفاعُ سعره حال دخوله، انعكس بدوره سلباً على حاجات المدنيين والمهجّرين، على الصعيد الصحي والاقتصادي. عبد الهادي عثمان وثائر مراد وغادة الأمير عيّنات من حالات مصابة بأمراض مزمنة، تتجاوز أعمارهم الخمسين، تأثروا سلباً بأزمة الدواء.

“ارتفعت النسبة التي صارت تستهلكها أثمان أدوية السكر والضغط من راتبي التقاعدي الشهري من 25% إلى 35%- 40% في الشهور الخمسة الأخيرة، على ندرة وجودها في التل؛ ثم بدأت أروض جسدي، وأزيد المدّة الفاصلة بين مواعيد تناول جرع الدواء تدريجياً، وذلك لارتفاع سعره وصعوبة تحصيله” بهذه الكلمات اختصر عبد الهادي عثمان المقيم في التل، والمنحدر من بيت سحم شهادته لمراسل طلعنا عالحرية. عبد الهادي المصاب بمرضي السكر والضغط لم يكن بعيداً عن غادة الأمير زوجته، وثائر مراد أحد جيرانه، بالإضافة إلى عينات أخرى عصية على الإحصاء من أهل المدينة، مصابة بأمراض مزمنة، انعكست وطأة الحصار وندرة الأدوية، وارتفاع ثمنها حال وجودها على حياتهم وصحّتهم.

وعلى سبيل السخرية، وبعد السنة الثالثة للثورة، بدأت تشيع أمثالٌ في الوسط السوري، تفيد بأنّ المواطن السوري أثبت أن بإمكانه التأقلم مع أي وسط صعب يفرَض عليه، بدءاً من شحّ المياه والكهرباء وانتهاء بالوقود وارتفاع الأسعار. السيد عبد الهادي عثمان، علّق على هذه الفكرة بأسف وألم، ساخراً من الحدّ الذي وصلت إليه أحوال المواطن السوري من السوء، فقال: “يمكن للإنسان أن يكمل حياته بغير كهرباء أو وقود، لكن هل بإمكانه إن كان مُصاباً بأمراض خطيرة، أن يروّض جسده على مواصلة الحياة بغير دواء؟”.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top