تقارير

حتى لا نكرر أخطاء حمص.. لن نفترق و سنغرس فكر العودة

محمد هشام

لم تكن داريا المدينة الأولى التي تتعرض للإفراغ القسري من أهلها و تهجيرهم، فقد سبقتها من قبل أحياء ريف حمص الجنوبية في 2014  فيما عرف بالتغريبة الحمصية، والتي كانت مأساة باب سباع بدايتها، حيث تعرضت للإفراغ والتهجير في تسوية رعتها الأمم المتحدة، التي يفترض بها أن تمنع مثل هذه التجاوزات التي تعد جريمة، امتثالاً وعملاً بما تنص عليه قوانينها والأعراف الدولية التي تمنع التهجير الطائفي.

“هي جولة، و الجولة الأهم هي جولة العودة والعمل عليها”.

بهذه العبارات يفتتح خالد أبو النور الناشط و أحد المهجرين حديثه مع طلعنا عالحرية، ويتابع: “فكر العودة ليس مجرد نظرية، و إنما مجموعة كبيرة من الأعباء والتكاليف التي تحتم علينا حملها والعمل عليها”.

و لدى سؤاله عن أبرز الصعوبات التي من المحتمل أن تواجههم خلال عبء غرس فكر العودة في نفوس الأهالي و الثوار، قال: “العودة لداريا قضية وجود، و تموت القضية إن لم تحظ بحناجر تنادي بها، وسواعد تعمل عليها”، ثم أضاف: “لقد أخطأ ثوار حمص عندما تخلو عن فكرة العودة بالمفهوم التطبيقي، إذ سمحوا للأهالي بأن تتفرق وتتشرذم منذ البداية بين المخيمات على امتداد أرياف إدلب، الأمر الذي باعد كتلتهم السكانية عن بعضها، وصعّب عليهم إيجاد مشروع يجمعهم، مما دفع الكثيرين منهم إلى مغادرة سوريا إلى تركيا في وقت لاحق، وبعضهم إلى أوروبا”.

ويتفق معه الناشط سعيد أبو هادي الذي خرج برفقة أهالي داريا إلى إدلب، لكنه يضيف: “تجربة حمص أعطتنا درساً ولن نكرر الخطأ نفسه”. وعن أبرز أخطاء تجربة حمص يتحدث سعيد عن رؤيته: “الذي أسهم بتضييع قضية العودة لحمص تفرق الأهالي وتشتتهم بعد الخروج، وتوزعهم على عدد كبير ومتباعد من المخيمات دون محاولة الحفاظ على كتلتهم البشرية في مكان واحد أو أمكنة محددة ومحدودة، بالإضافة إلى فرط عقد كتائبهم وتشتت العناصر بين فصائل وألوية الشمال، أن تتفرق العوائل والثوار يعني أن يتفرق صوت القضية”.

فيما أفاد الناشط الإعلامي رضوان الهندي في وقت سابق لوسائل الإعلام أن “90% من أهالي الخالدية غادروا سوريا، و10% في مخيمات اللجوء”.. و يرى مراقبون أن أهالي الخالدية عينة عن أهالي مدن الريف الحمصي الذي تعرض للتهجير.

في تلافي ذلك:

يقول عبد الرحمن أبو أحمد الناشط في العمل الإنساني: “النخبة لفاعلة التي خرجت مع أهالي داريا إلى إدلب وضعت تجربة أحياء ريف حمص نصب أعينها، وسعت لتجنبها، حيث تم تجميع الأهالي في بلدتين اثنتين بشكل رئيسي، وتم إسكانهم في قرية نموذجية ذات منازل منحصرة بكتلة واحدة في بلدة أطمة، إضافة إلى بلدة جرجناز، وتم انتخاب لجان ممثلة من الأهالي في كلتا البلدتين لتسهيل التواصل مع الفعاليات المحلية والمنظمات، إضافة إلى التواصل مع اللواء والمجلس المحلي سابقاً، والذي لا زال أفراده يديرون شؤون الأهالي والمدنيين بعد خروجهم” ويضيف: “يتم وضع خطة بالتواصل مع المنظمات لدراسة مشروع شراء أرض زراعية كبيرة وبناء مدينة سكنية ونقل كافة الأهالي إليها، حفاظاً على كتلتهم البشرية من التشتت والتشرذم، والعمل على تقديم سائر الخدمات والتسهيلات لهم، وإعادة الأطفال إلى مدارسهم، والعمل على تأمين فرص عمل للأهالي تكفيهم حاجتهم، وتخطو على طريق إعادة الحياة الطبيعية الآمنة للسكان بشكل يلغي حاجتهم إلى السفر ومغادرة البلاد”..

وقد أفاد النقيب سعيد نقرش أبو جمال قائد لواء شهداء الإسلام، في وقت سابق إلى عدد من وسائل الإعلام بأن ثوار داريا تلقوا عروضاً بشكل غير مباشر للانضمام إلى فصائل محلية، ثم أردف: “الأولوية تكمن في الحفاظ على كتلة اللواء” وأنه سيعمل في الشمال كغيره من الفصائل ليدافع عن الجبهات ويحمل في أهدافه مشروع الرجوع إلى داريا.

حول هذا الجهد يفيد زياد أبو عبدو أحد ناشطي داريا أن غرس فكر العودة يعد من أهم أولويات النخب في الفترة القادمة، مبيناً حجم الضرر الذي ترتب على إهمال هذه الخطوة في تجرلة حمص، وحول هذه الآلية أفاد: “من الممكن بعد استقرار الأهالي عقدُ ندوات ثقافية وحوارية ومهرجانات في معسكرات التدريب، تحث على الحفاظ على الكتلة، وأنها المفتاح الوحيد الذي يكفل إمكانية العودة، وعدم أفول شمس القضية، إضافة إلى نشاطات مماثلة مناسبة للأهالي ذكوراً و إناثاً، تغرس في نفوسهم فكر العودة وتحثهم على تطوير أنفسهم وتنمية مواهبهم وقدراتهم، بشتى الوسائل المتاحة، لتحصيل الجاهزية للبناء والترميم فور الرجوع”.

تجربة داريا لم تكن الأولى ولا يبدو أنها الأخيرة، بظل نظام فاشيّ سبق وأن عرض حل التهجير على أهالي حي الوعر كمخرج لحصارهم، والتي يمكن أن تصبح واقعاً في ظلّ صمت المجتمع الدولي المتآمر.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top