ثقافة

اللوبي الثقافي وشرنقة الإبداع / مرهف دويدري

على الرغم من تفوق الثورة الرقمية، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، التي من الممكن أن تكون دار نشر واسعة الانتشار، ربما بحقوق ملكية فكرية أقل أهمية، إلا أن هذه المواقع قد بدأت، وبشكل خاص موقع “فيسبوك”، بتصنيع المثقفين والمبدعين، سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا على أهمية الشكل والمضمون، أو ما يمكن تسميته بـ”كمية الإبداع” في النص الذي يظهر لك على صفحتك الرئيسية، وتصبح هدفاً مشروعاً لهذه المنشورات الإبداعية، أو الثقافية، التي ستقرؤها طواعية، أو مرغماً أحياناً!

قبل الثورة الرقمية، كان القارئ يسعى باتجاه الكتاب، وبعدّة وسائل، ربما من خلال الاستعارة أو الشراء، لكنه يبقى هو صاحب الكلمة العليا في اختيار ما سيقرؤه، أو ما سيتعلمه من تجارب الآخرين في الإبداع، أو الدراسات، وهناك من سيقول إن الثورة الرقمية أيضاً ساهمت في إنشاء مكتبات رقمية، تستطيع من خلالها قراءة ما تشاء من كتب، وتسعى لها، ويكون بين يديك كتاب إلكتروني أقل كلفة من ذاك الورقي..

على الرغم من كل ذلك، مازالت فكرة التكتلات، والتحالفات الثقافية، هي السائدة منذ تلك الأيام الورقية، أو في هذه الأيام الرقمية، وانتشار المواقع الإلكترونية، والصحف الورقية. ولعلّ التسويق الذي يعمل عليه هذا التكتّل، أو ما يسمى اصطلاحاً بـ “لوبي”، كناية عن تكتل له أهداف لتسويق أعضاء هذا اللوبي الثقافي، الصحفي، أو الأدبي، ضمن كتلة معارف خاصة، ولا يسمح لأحد باختراق هذا اللوبي، على اعتبار أنهم قد أوجدوا حالة إبداعية، ثقافية، وفكرية، خاصة بهم، وربما لا يمكن لمن هم خارج هذا اللوبي أن يصلوا إلى إبداع هؤلاء المثقفين، الذين شكلوا هذا التحالف، الذي يشبه إلى حد بعيد تحالفاً عسكرياً للدفاع عن أعضائه، وتسويقهم، على الرغم من بعض الخلافات، والاختلافات في المنهج، والرؤية أحياناً.

هذه “اللوبيات” المتعددة في اتجاهاتها، تشكل بشكل أو بآخر، عامل انعدام توازن ثقافي في كثير من الأحيان، على اعتبار أن مثل هذه اللوبيات تقوم على أساس المصالح المشتركة، التي تعمل ضمن مفهوم تقاطع المصالح، وبلغة التسويق التجاري، سلعة بسلعة، على مبدأ أرتب لك النشر في هذا المكان، وترتب لي النشر في ذاك المكان، وهنا مع تعدد أعضاء اللوبي، تتعدد المواقع والصحف التي يتم النشر فيها، وليس على أساس الجودة في هذا النوع من المصالح، وإنما على مبدأ تسويق السلع الذي ينال -شئنا أم أبينا- من مفهوم الإبداع. وهنا لا أعني الإبداع الأدبي، أو الثقافي، وإنما الإبداع بشكل عام في كل حقول المعرفة (سياسية – اجتماعية – اقتصادية).

تتحول بعض هذه المواقع إلى مفهوم الشرنقة، التي تنسجها اليرقة على نفسها لتحمي جسدها الهزيل من عاديات الدهر، ريثما تتحول هذه اليرقة إلى فراشة بأجنحة كبيرة، ترفرف في السماء، وتبتسم لها العيون معبّرة عن إعجابها بهذا الجمال، الذي أوجدته الشرنقة الإبداعية، التي حبست نفسها بها لفترة تتفاوت بين يرقة وأخرى..

في هذا النوع من الشرانق، فرص الحياة تكون أقل بكثير من فرص الموت التي تعاني منها الشرانق بشكل عام، خاصة إذا علمنا أن هناك يداً تحيل هذه الشرانق الإبداعية، عبر صهرها في نسيج واحد، لصناعة ثوب، أو ربما أي شي آخر، وبالعادة فإن صناعة هذا الثوب الجميل تكون على حساب أرواح مئات، وربما آلاف اليرقات، التي كانت تسعى في يوم ما لأن تتحول إلى فراشات جميلة، تزيّن السماء بألوانهن الجذابة!

أما اليرقة التي قد يحالفها الحظ في التحول الكامل إلى فراشة، ستعاني من تصنيف جديد يخضع في الغالب إلى منتج هذه الفراشات، فليست كل هذه الفراشات ذوات ألوان زاهية، منها الرمادية، ومنها البرتقالية، ومنها فراشات ذات ألوان تبعث على الكآبة، أما تلك الفراشة، صاحبة الألوان الزاهية، فلها من يرسم أجنحتها بعناية فائقة، بريشة دقيقة، لتقود سرب الفراشات الأخرى، غير الزاهية في عمل ممنهج لترويض الفراشات اللواتي اجتزن مراحل الشرنقة، ولكن بصلاحيات أقل!

ربما في الوقت القريب يكون “اللوبي” هو الحارس الأمين لكثير من اليرقات داخل هذه الشرانق، لكن الثابت؛ أن الحرير الذي تنتجه هذه الشرانق الإبداعية أحياناً، يصنع منها ثوباً جميلاً، يبعث الفرح في القلوب، ولكن في أحيان أخرى يتحول إلى حبل مشنقة، بحيث تكون هذه اليرقات مشاركة في قتل ما!

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top