مقالات رأي

الديمقراطية مقابل الإسلام

مجلة-طلعنا-عالحرية-Rising-For-Freedom-Magazine

يوسف المنجد  

     يعادي الكثير من الإسلاميين الديمقراطية من منطلق كونها بضاعة غربية، ونبتٌ غريب عن البيئة الإسلامية، وكذلك لكونها تعطي الناس الحق في التشريع، وهو أمر يحصره الإسلام بيد الله تعالى.

ويرى هذا الفريق من الإسلاميين أن الغرب يسعى بكل سطوته إلى تصدير الديمقراطية إلى بلاد المسلمين، لأنها سبيله للقضاء على الإسلام.

فهل يحرص الغرب حقاً على دمقرطة البلدان الإسلامية؟ وهل يستعمل الغرب الديمقراطية وسيلة يتآمر بها على الإسلام وأهله؟

المتابع لأحوال البلدان الإسلامية التي أصبح للديمقراطية فيها شيئاً من الاستقرار والرسوخ؛ يلاحظ ببساطة انتعاش الإسلام وانتشاره، بأضعافٍ عما كان عليه قبلها. ففي تركيا على سبيل المثال، نرى أن الإسلام لم يتنفس الصعداء إلا بعد أن حققت الديمقراطية رسوخاً واستقراراً.

وكذلك الأمر في إندونيسيا وماليزيا، بل حتى في الغرب نفسه وجد الإسلام في الديمقراطية البيئة الملائمة التي مكنته من حجز موطئ قدم له فيها. الأمر الذي يمكن أن نستنتج منه، أن الإسلام ينتعش بانتعاش الديمقراطية، وأن الديمقراطية غير متعارضة مع الإسلام ولا معادية له -كما يرى البعض- بل إن العكس هو الصحيح.

من جانب آخر فإن المطلع على تاريخ الغرب في التعامل مع الأنظمة الاستبدادية في البلدان الإسلامية وغيرها، ودعمه لها، سيجد ما يدحض فرضية سعي الغرب لغرس الديمقراطية في هذه البلدان، تلك النظرية التي يقتنع بها الإسلاميون المعادون للديمقراطية، ويؤسسون عليها تحريضهم ضدها. لأن من المعلوم لكل ذي لبٍّ وبصر، أن الغرب لا يتحرك بدوافع إنسانية، ولا بدافع من القيم التي يتغنى بها في العلن ويغتالها في الخفاء، فهو لا يهتم خارج حدوده لقيم الحرية والعدالة والمساواة وكافة حقوق الإنسان الأخرى، وإنما يهتم أولاً للحفاظ على مصالحه، المتمثلة في استمرار تدفق ثروات الشعوب إلى خزائنه، والتي تضمن له دوام الرفاهية والهيمنة والاستعلائية. وما حديثه عن تلك القيم وتغنيه بها، إلا وسيلة بروبغاندية، يذرُّ بها الرماد في العيون، ويَظهر من خلالها منسجماً مع حضارته وقيمها المعلنة، ويثبت بها تفوقه وأستاذيته للعالم، في مقابل تخلف وهمجية غيره من الشعوب، ويقدم نفسه من خلالها على أنه النموذج الأرقى والمثل الأعلى، ونهاية التاريخ. إضافة إلى اتخاذه تلك القيم ذريعة للتدخل في شؤون الدول والسيطرة عليها ونهب ثرواتها، ووسيلة يخلي بها مسؤوليته الكبيرة عمَّا يحصل في العالم من خراب.

إن الغرب بسياساته وحكوماته والمتنفذين فيه -ولا نعفي كذلك الكثير من شعوبه- لا يريد إطلاقاً الديمقراطية للبلدان الإسلامية، لأن مصلحته تكمن في بقاء ورسوخ الاستبداد فيها؛ فهو خادمه المطيع، الذي يضمن استمرار سيطرته وتحكمه، لذلك فهو يسانده ويدعمه ويباركه في السر، وإن كان يعاديه ويلعنه في العلن. مصلحة الغرب في بقاء طغاة مجرمين، همهم الأوحد بقاؤهم وأنظمتهم، حتى لو اقتضى ذلك بيع أوطانهم وتدميرها، وقتل شعوبهم وتشريدها. فالمهم أن لا تتحرر هذه الأوطان، وأن تبقى شعوبها تائهة، يفترسها اليأس وتشغلها التوافه، وتستهلكها الشهوات والحروب والنزاعات.

لقد شهدنا جميعاً تلك الديمقراطية التي جلبها الغرب للعراق على سبيل المثال، حيث ذهبت بطاغية فرد انتهى دوره ونفدت صلاحيته، لكونه أظهر بعض التمرد على أسياده، وجاءت بطغيان طائفة برمتها، وإن ألبسته لباس ديمقراطية مزيفة، ضمنت له سلب ثروات هذا البلد الغني، وتحطيم شعبه الذكي المبدع.

لقد باغتت ثورات الشعوب العربية الأخيرة الغرب حقاً، تماماً كما باغتت الحكامَ العرب أنفسهم، فلم يكن يتوقع أن يتم أمر بهذا الحجم بهذه السرعة والسلاسة، ويمتد كما النار في الهشيم، فقالها بلسان حاله كما قالها القذافي قبله بلسان مقاله: (من أنتم؟!!)، لكنه تدارك الأمر، وتمكن من امتصاص الصدمة، وعمل على إعادة الأمور إلى نصابها، فدعم انقلابيي مصر واليمن وليبيا، ودعم بتخاذله وأمواله المشؤومة طاغية سوريا، أما تونس فقد انتبه فيها قادة حركة النهضة التي فازت في الانتخابات الأولى إلى لعبته القذرة، فتنازلوا عن بعض مكتسباتهم في سبيل الحفاظ على الحد الأدنى من مكتسبات الثورة، والعمل تدريجياً على ترسيخها وتوسعتها.

ولا يخفى التورط الغربي في دعم محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة في تركيا، وهي حادثة كشفت حقيقة الدعم الغربي المزعوم للديمقراطية في البلدان الإسلامية.

الغرب إذاً، يسوؤه أن تحصل الشعوب الإسلامية على حريتها، وأن تمتلك قرارها، لذلك فهو لا يرضى لها الديمقراطية، ويسعى بكل سطوته للحيلولة دون حدوث ذلك. وهو يعلم جيداً، أن الشعوب الإسلامية متمسكة بدينها وقيمها، وأن الديمقراطية ستشكل البيئة الخصبة لعودة قوية للحضارة الإسلامية، التي تشكل منافساً قيميَّاً قوياً، وسداً منيعاً ضدّ أطماعه الطغيانية. لذلك فهو يضعها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإسلام وإما الديمقراطية، ولا سبيل أبدا لخيار الديمقراطية مع الإسلام، فيمكن للغرب أن يدعم الديمقراطية في بلادنا فقط إن نحن تخلينا عن إسلامنا وقيمنا، وسلمناه قيادنا روحياً وثقافياً ومادياً.

وللأسف فإن الإسلاميين الرافضين للديمقراطية يقدمون للغرب (خدمة العمر) بتحريضهم عليها وتكفيرهم لها، وللداعين إليها، وتزييفهم وعي الشعوب الإسلامية تجاهها، وهم في هذا يتوافقون إن لم نقل يتطابقون مع الغرب، فذاك يرى أن الإسلام لا يتوافق مع الديمقراطية، ويشترط إزاحته لإحلالها، وأولئك يرون أن الديمقراطية لا تتوافق مع الإسلام، فيرفضونها جملة وتفصيلاً، وذاك من مصلحته بقاء الاستبداد الذي يضمن بقاء الشعوب الإسلامية مستعبدة له، وأولئك من مصلحتهم قيام استبداد بلباس إسلامي يضمن سيطرتهم وتحكمهم.

ويجهل الإسلاميون الرافضون للديمقراطية أو يتجاهلون أنهم يقابلون بين لا متقابليْن؛ الإسلام والديمقراطية، مع أن المقابلة الصحيحة هي تلك التي تكون بين الاستبداد والديمقراطية، وليس بين الإسلام والديمقراطية. فالخيار لا يكون إلا بين شيئين متجانسين في الطبيعة وإن كانا مختلفين في الأداء. لذلك فالطرفان يشكلان وجهين لعملة واحدة، هي عملة قمع الشعوب الإسلامية وحرمانها من حقها في الحرية والتقدم. ولا سبيل لخروجها من ميدان تلاعب الطرفين، إلا عبر بث الوعي الديمقراطي، وإثبات أن الديمقراطية لا تتعارض البتة مع دينهم، بل هي لا تقابله ولا تنافسه من الأساس، ومن ثَمَّ تكوين كتلة حرجة قادرة على فرض إرادتها، سواء على الغرب أو على أعوانه المغفلين منا.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top